الثقافة ... ومفهومها
الثقافة
الثـقـافة مصطلح يستخدمه علماء الاجتماع للإشارة إلى طريقة الحياة الكُلية
لشعب من الشعوب. وقد تُشير كلمة الثقافة في المحادثات اليومية إلى ضروب
النشاط في مختلف الميادين مثل الفن والأدب والموسيقى. ولكن بالنسبة إلى
علماء الاجتماع، فإن ثقافة شعب من الشعوب تشتمل على كل ما صنعه وابتدعه من
الأفكار والأشياء وطرائق العمل فيما يصنعه ويوجده.
فالثقافة تشتمل على الفنون والمعتقدات والأعراف والاختراعات واللغة
والتقنية والتقاليد. ويُماثل مصطلح الثقافة الحضارة، غير أن المصطلح الأخير
يُشير في الأغلب إلى طرائق الحياة العملية الأكثر تقدماً. أما الثقافة فهي
أي أسلوب للحياة، بسيطاً كان أم معقداً.
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
الثقافة تشتمل على الفنون والأعراف والتقاليد وغيرها.
وتتكون الثقافة من الطرق التي يتعلمها ويكتسبها الإنسان للعمل، والشعور،
والتفكير، أكثر من كونها وراثية أي محددة بالمقومات البيولوجية. وهناك بعض
الحيوانات البسيطة التي تتصرف على أساس المعلومات التي تحملها في
مورِّثاتها، أي أجزاء الخلية التي تشكل الصفات الوراثية. وهذه المعلومات
البيولوجية المورثة قد تشتمل حتى على الطرق التي يحصل بها الحيوان على
الطعام والمأوى. ولكن الإنسان هو الذي بمقدوره أن يجرب وأن يتعلم وأن ينشئ
أساليبه لصنع هذه الأشياء. وهذه عملية مستمرة لا تتوقف أبداً.
والقول بأن الثقافة مكتسبة لا يعني بالطبع عدم الارتباط بينها وبين العناصر
البيولوجية للإنسان. إنها بالعكس، يمكن النظر إليها كمجموعة من التمديدات
والإضافات البسيطة لأجزاء الجسم المختلفة. وقد قارنها عالم النفس النمساوي
سيجموند فرويد بتلك الأجهزة والأدوات مثل الأطراف الصناعية، ونظارات
العيون، والأسنان الصناعية. وذلك على اعتبار أن الثقافة، مثل هذه الأشياء،
تُمكن الناس من فعل الأشياء التي قد لا تساعدهم عضلاتهم وحواسهم وحدها على
القيام بها وفعلها. مثال ذلك، أن الإنسان لا يحتاج إلى المخالب ما دامت
لديه السهام. كما أنه لا يحتاج إلى الجري بسرعة، ما دام قد روَّض الحصان أو
استعمل السيارة. وبدون الثقافة لم يكن بمقدور رواد الفضاء، أن يصلوا إلى
القمر، ولا أن يعيشوا هناك. ذلك أن الجسم الإنساني في حاجة إلى الأكسجين،
وإلى درجة معينة من الحرارة كي يحافظ على حياته. وعلى أية حال، فقد مكنت
هذه الوسائل والأدوات الثقافية الإنسان من التغلب على بعض أوجه القصور، فظل
على قيد الحياة في البيئات الخشنة القاسية.
كانت الثقافة المبكرة وسيلة لتحسين المهارة للحصول على الطعام، والبحث عن
المأوى، والعناية بالنسل. وحَظي أسلاف الإنسان بالأفضلية في الصراع من أجل
البقاء، لأنهم نجحوا في تطوير الأدوات والآلات وجوانب الثقافة الأخرى.
فأصبحوا ـ من ثم ـ أكثر ملاءمة للاستمرار والتكاثر من تلك المخلوقات التي
تفتقر إلى هذه الميزات. ونتيجة لهذا نمت القدرة على ابتكار الثقافة من جيل
إلى جيل.
خصائص الثقافة
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
سباق السفن من التقاليد الشعبية في قطر.
[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
الخروج إلى البحر من العادات السائدة في دول الخليج العربية.
عرّف عالم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) البريطاني
السير إدوارد بيرنت تايلور مصطلح الثقافة كما يستخدمه العلماء في الوقت
الحاضر. فقد عَرَّفَ تايلور الثقافة في كتابه الثقافة البِدائية بأنها ذلك
الكُل المعقد الذي يشتمل على المعرفة، والعقيدة، والفن، والأخلاق،
والقانون، والتقاليد، وما إلى ذلك من القدرات والعادات التي يكتسبها
الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع. ويشتمل هذا التعريف الذي ساقه تايلور
على ثلاث خصائص من أكثر خصائص الثقافة أهمية وهي: 1- أن الثقافة اكتساب
إنساني يتم من خلال عملية تسمى التنشئة الثقافية. 2- أن الشخص يكتسب
الثقافة باعتباره عضواً في المجتمع. فالحياة الاجتماعية تُصبح مستحيلة دون
وجود التفاهم والممارسات المتبادلة التي يشارك فيها الناس جميعاً. 3- أن
الثقافة كلٌّ معقد تتمثل وحداته فيما يُسمى السمات الثقافية. وهي قد تشتمل
على أماكن دفن الموتى المتعارف عليها، أو بعض الأدوات والآلات، كالمحراث
مثلاً، أو إيماءة، كالمصافحة بالأيدي. وتسمى المجموعة المتقاربة من السمات
الثقافية النمط الثقافي. مثال ذلك التقاليد المرتبطة بالزواج والمراحل
السابقة له والتودد، وتشكل هذه المجموعة نمطاً ثقافياً محدداً.
ولمعظم الجماعات الكبيرة سماتها الثقافية
الخاصة التي تلائم ظروفها وحاجاتها وتُؤَمِّن بقاءها واستمرارها. ومثل هذه
المجموعة من السمات الثقافية يمكن تسميتها ثقافة. وتمتلك الأمم ومعظم
القبائل، وحتى بعض القرى، الثقافة بهذا المعنى.
وعلى كل حال، فإن لكل عائلة تقليدها الثقافي الخاص بها. وهو تقليد يشتمل
على كثير من السمات التي تشترك فيها العائلة مع الآخرين ممن يعيشون في نفس
المنطقة، وينتمون إلى الطبقة الاجتماعية ذاتها. علاوة على ذلك، تمتلك
العائلة السمات الثقافية الخاصة بها. وهو الحال نفسه بالنسبة إلى شركات
الأعمال، والقرى وما إلى ذلك من الجماعات الاجتماعية. فلكلٍّ منها تقاليدها
الثقافية الخاصة بها. ويستخدم علماء الاجتماع أحياناً مصطلح الثقافة
الفرعية للإشارة إلى مجموعة السمات الثقافية التي توجد في جماعة واحدة
فحسب، الأمر الذي يعني أن للكثير من الجماعات المهنية، مثل جماعة الأطباء،
وجماعة سائقي الشاحنات والجماعات العرقية ثقافتها الفرعية الخاصة بها،
بالإضافة إلى مشاركتها أيضاً في ثقافة جماعة الأغلبية.
ومن الصعوبة أن توجد الثقافة في مكانين في آن واحد. فأولاً، لابد أن توجد
في البيئة، حيث تظهر على شكل مصنوعات فنية (أي الأشياء التي صنعها
الإنسان)، أو على شكل سلوك. وقد تدوم بعض مظاهر الثقافة التي توجد في
البيئة طويلاً، وذلك مثل الإيماءة أو طريقة قص القصص أو القصة المكتوبة أو
الفأس الحجرية. ثانياً، أن الثقافة تكون في داخل العقول والأذهان كمجموعة
من الأفكار حتى يتيسَّر فهم وتقويم الأشياء وسلوك الأفراد. أما الشيء
المصنوع الذي لا يفهمه أحد فيُعتبر ثقافة ناقصة وغير كاملة.
كما لا تُعتبر الفكرة التي لا يدركها الآخرون ثقافة. فالأشياء التي توجد في
البيئة تصل إلى داخل عقول الناس من خلال التعلم والتنشئة الثقافية. على
حين تنتقل الأشياء من داخل عقول الناس إلى العالم الخارجي بوساطة السلوك
والمناقشة والاختراع