أحببتُ أن أتشرّف بهذه الواحة المتواضعة بالحديث عن الصيام وعن شهر الخيرات . . .
هذا الشهر المبارك وهذا الفضل العظيم الذي نقف أمامه بإجلال وتعظيم . . .
وشكر وامتنان وعرفان بما له عظيم الأثر في مسيرتنا التكامليـّة نحو الخالق سبحانه وتعالى . . .
وكما جاء في الآية الكريمة :
{ يَأَيـّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كـُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }
والتي تشير إلى تأثير الصيام على نفوسنا واكتسابها التقوى . . .
وهناك نتائج ظاهرة للصيام نقوم باكتسابها من خلال تربيتنا لنفوسنا وتعويدها على الصبر وشدّة التحمـّل . . .
وتعاليها عن شهوتي البطن والفرج . . .
وما نكتسبه من التواضع والضعة والاستكانة والفقر والضعف والشعور بآلام الفقراء وتذوّق ألم الجوع . . .
وهناك آثار وفوائد باطنة هامـّة جدّاً لا ندركها بسهولة وهو ما يقوم به الصيام من عمليات تطهير وتزكية وغفران للذنوب . . .
هذا الصيام السنوي الذي يكون بمثابة صيانة دوريـّة لنفوسنا ليخفـّف من ذنوبنا وسيـّئاتنا ويزيد من حسناتنا ويرفع من درجاتنا . . .
هذا كلـّه بالإضافة إلى تنظيم وتوازن ومعافاة أجسامنا وتخليصها من المواد الضارّة . . .
وما يسهـّله هذا الصيام من قضاء حوائجنا وتيسير أمورنا وحل مشاكلنا وتنظيم أمورنا وشفاء أمراضنا . . .
وأحب أن اُشير إلى ناحية هامـّة عن طبيعة أجسامنا ونظامها من ناحية الشعور بالجوع . . .
فقد نستغرب أحياناً عندما نفطر في الصباح وغيرنا صائماً . . .
ثم تمضي ساعات ويأتي وقت الغذاء ونشعر بالجوع مجدّداً ونقول في أنفسنا :
أعان الله هذا الصائم فنحن الذين تناولنا الإفطار قد شعرنا بالجوع بعد ساعات !
فكيف حال هذا الصائم الذي لم يتذوّق الطعام منذ الفجر ! ؟
وهنا أذكر لكم هذه الحقيقة الرائعة والمريحة في كيفيـّة شعورنا بالجوع :
{ وهي أنّ هذا الصائم لو تناول الإفطار أو أيّة وجبة خلال النهار فسوف يشعر بالجوع بعد ساعات . . !
ولو بقي صائماً وممتنعاً عن الطعام والشراب فسوف لن يشعر بالجوع . . .
وتفسير ذلك أنّ عمليـّات الاستقلاب الناتجة عن تناول وهضم الطعام داخل المعدة تتسبـّب في شعورنا بالجوع بعد عدّة ساعات . . .
ولو لم نتناول الطعام خلال النهار فلن نشعر بالجوع بعد عدّة ساعات من تناوله }
وفي النهاية نجد أن الصيام لا يتطلـّب منـّا إلا الشيء اليسير من المشقـّة وخاصـّة بعد أن نعوّد أجسامنا ونبرمجها ونضبط فيزيولوجيتها على ساعات محدّدة ووجبات بأوقات محدّدة لينتفي بعدها الشعور بالجوع . . .
إلا لمن يبذل جهداً كبيراً ويتعب ويتعرّض لأشعـّة الشمس أو للرياح الجافـّة والتي تتسبـّب في شعوره بالعطش . . .
وفي النهاية أقول بأنّ الله قد شرّع لنا الصلاة من أجل ضبط وتنظيم ومجاهدة قوّة الغضب والكبر . . .
كما شرّع لنا الصيام من أجل ضبط وتنظيم ومجاهدة قوّة الشهوة وحفظ اللسان وتربية النفوس وتزيينها وتزكيتها بأرفع الأخلاق . . .
وفيه يتحقـّق انتصار الروح على المادّة والعقل على الشهوة . . .
وهو لتهذيب النفس وليس لتعذيبها . . .
فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة التي لا ندرك قيمتها واحتياجنا الشديد لها إلا لو امتنعنا عنها . . .
حيث بدونها ستمنعنا ذنوبنا المتراكمة من متابعة مسيرتنا وتكاملنا وتقرّبنا من خالقنا . . .
ومن انتظام سلوكنا ومعيشتنا وعلاقاتنا مع خالقنا ومع الناس